تأخير دفن رسول الله صلي الله عليه وسلم
آراء في هذه المسألة تتردد على الألسنة و تكتب في المنتديات و تنتشر بين الناس و منها ما هو يفتقد إلى الدقة و منها ما هو مجانب للصواب
جسد النبي صلى الله عليه وسلم الطاهر في حياته وموته ليس كأجساد بقية البشر ، لا
يغيره الموت ولا تصيبه الآفات ، بل هو محفوظ بحفظ الله عز وجل ، جسد شريف طيب
طاهر في حياته وفي مماته ، والدليل على ذلك ما رواه البخاري رحمه الله في "
صحيحه " (رقم/3667) عن عائشة رضي الله عنها في قصة موت النبي صلى الله
عليه وسلم قالت : ( فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ ، قَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا....إلى آخر الحديثفالرأي الذي اعتبر تأخير دفن
رسول الله لمدة ثلاثة أيام لإنشغال الصحابة الكرامعنهم بمسألة الخلافة وتسيير أمور
الأمة مستدلين بأحداث السقيفة و بيعة سيدنا أبو بكر الصديق رضيالله عنه و بما ذكره
الله و سلم فقال بعضهم كان ذلك من فعلهم يوم الثلاثاء وذلك الغد من وفاته -صلى الله
على الرسول فرادى مستدلين بما رواه الإمام أحمد " عَنْ أَبِي عَسِيبٍ أَوْ أَبِي عَسِيمٍ
رضي الله عنه : أنَّهُ شَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالُوا : كَيْفَ
نُصَلِّي عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ادْخُلُوا أَرْسَالًا أَرْسَالًا . قَالَ : فَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَيُصَلُّونَ
أن بويع سيدنا أبو بكر الصديق في المسجد أي بعد ما يقارب 24 ساعة
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لَمَّا اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِغَسْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ إِلا أَهْلُهُ : عَمُّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، وَصَالِحٌ
مَوْلاهُ....وَكَانَ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ
زَيْدٍ وَصَالِحٌ مَوْلاهُمَا يَصُبَّانِ الْمَاءَ ، وَجَعَلَ عَلِيٌّ يَغْسِلُهُ ، وَلَمْ يُرَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وسلم شَيْءٌ مِمَّا يُرَاهُ مِنَ المَيِّتِ ، وَهُوَ يَقُولُ : بِأَبِي وَأُمِّي ، مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا
وَمَيِّتًا...إلى آخر الحديث ) رواه أحمد في " المسند " (4/187) وقال المحققون في
طبعة مؤسسة الرسالة : حسن لغيره . انظر: " الخصائص الكبرى " للسيوطي
(2/469-492)
ولهذا فقد أمِنَ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم على جسده الشريف أن يتغير بسبب
الموت ، وكراهة تأخير الدفن معللة بخوف تغير الميت ، أما إذا انتفت العلة فأُمِنَ التغير
، كما في جسده صلى الله عليه وسلم ، فلا كراهة حينئذ ، إذا وجدت حاجة لمثل ذلك
التأخير .ونحن إذ نذكر هذه المسألة لا نريد بها انتقاد الصحابة الكرام البتة، معاذ الله،
بل لنظهر أهمية القضية التي دفعتهم للتصرف على هذا النحو.